تعتبر مسألة تصميم ودراسة المواد ثنائية الأبعاد - اتجاهاً فتياً واعداً جداً في مجال علم المواد الحديث.
وتتميز هذه المواد بسماكة صغيرة جداً (غالباً ما يكون أقل من 1 نانومتر)، لذلك يمكن استخدامها لتصميم بنى متباينة الطبقات يمكن اعتمادها في الإلكترونيات الحديثة، بدءاً من الترانزستورات وانتهاءً بأجهزة الاستشعار والخلايا الشمسية ومصابيح LED. ويقوم الباحثون من الجامعة الوطنية للأبحاث التكنولوجية “ميسيس” بدراسة مكثفة لتقنية الإنتاج وخصائص العديد من المواد النانوية ثنائية الأبعاد.
السمة الرئيسية للمواد ثنائية الأبعاد هي أن جميع ذراتها موجودة في الطبقة السطحية. في الكيمياء وعلم البلورات، هذا يعني أن كل عنصر من عناصر مساحة المادة لديه العديد من الروابط الحرة أو “المعلق”. هذا يسبب زيادة في النشاط الكيميائي لهذه المواد، وكذلك اختلاف كبير في الخواص مقارنة بالحالة التي تميز الكتلة بكثافة عالية. وبالتالي فإن الروابط الحرة تجعل من الممكن تغيير وظائف هذه المواد عن طريق تعديل السطح.
يعد الغرافين أشهر المواد ثنائية الأبعاد، الذي تم اكتشافه في عام 2010 وحاز الباحث وقتئذ على جائزة نوبل في الفيزياء. إذ تتمتع مادة الغرافين بقيم عالية من الموصلات الكهربائية والحرارية، وهي مادة متينة للغاية عند خضوعها لاختبار قوة الشد. في الوقت نفسه، فإنها تشكل طيات وليست مستقرة في حال كانت رقاقة منفصلة معلقة بشكل حر.
يتم حل هذه المسألة عن طريق الأساليب الحديثة لتصميم الغرافين المقوى. بالإضافة إلى ذلك تم تصميم تقنيات الحصول على رقائق الغرافين خالية من العيوب بمساحة كبيرة، التي يمكن استخدامها كأقطاب شفافة لتقنيات مختلفة. كما تم وضع طرق للحصول على رقائق أوكسيد الغرافين، والتي يمكن استخدامها بشكل مكثف كحشوات وظيفية لمركبات البوليمير.
من حيث نوع الموصلية، فإن الغرافين هو المادة الأقرب إلى المعادن، وهذه السمة تعيق استخدامه من أجل إنشاء عناصر الدوائر المنطقية. لذلك ومن أجل تطبيق هذه المادة في مجال الإلكترونيات بهف تصميم أجهزة الاستشعار والمتحسسات، تتم دراسة المواد الأخرى ثنائية الأبعاد بشكل مكثف، والحديث يدور عن مركبات الكالكوجين الانتقالية. وهذه العناصر تتميز بخصائص أشباه الموصلات وتختلف بأنواع الموصلية.
يقوم العلماء أيضاً بدراسة المواد ثنائية الأبعاد الأكثر تعقيداً مثل MXene مع عدد من الخصائص الفريدة للسيراميك والموصلية العالية وإمكانية التعرض للتشوه.
في الواقع فإن كل مادة ثنائية أبعاد جديدة هي مهمة بنسبة للعلم من خلال خصائصها المميزة والتي يمكن استخدامها في التكنولوجية.
عملية الترسيب أو الطحن أو صناعة الرقائق
يقوم الباحثون اليوم بتصميم طرق مختلفة لإنتاج مواد ثنائية الأبعاد. فعلى سبيل المثال تسمح طريقة الترسيب الكيميائي للبخار بتصميم رقائق ذات جودة عالية للعديد من المواد ثنائية الأبعاد (على الرغم من أن تنفيذ هذه العملية مكلف للغاية). كما تتيح طرق التقشير الكيميائي للمواد ذات الطبقات المتعددة الحصول على جزء من الذرات المعرض إلى السطح ورقائق بسماكة عدة طبقات ذرية.
هناك طرق تستخدم عملية الطحن بطاقة عالية في مطاحن وأساليب معقدة، حيث يتم الحصول على المراحل الانتقالية، ثم يتم تقسيم المادة إلى طبقات رقيقة جداً من خلال التعرض للتأثير الكيميائي. يشار إلى أن طريقة التجويف بالموجات فوق الصوتية عالية الكثافة تساعد الحصول على بنى ثنائية الأبعاد من حالة المادة المكثفة.
تؤثر كل طريقة على خصائص المادة الناتجة تأثيراً كبيراً. فعلى سبيل المثال ومن أجل تصميم الأجهزة الالكترونية، فإن أكثر الطرق الواعدة هي الترسيب الكيميائي للبخار أو ترسب الطبقة الذرية، التي تسمح بالتحكم الدقيق لسماكة وحجم العناصر البنيوية ونقاء وتشكل المادة.
على الرغم من حقيقة أن الرقائق عالية الجودة يتم إنتاجها حالياً بواسطة الترسيب الكيميائي للبخار، فقد تم إجراء القياسات على الغرافين في الأعمال الأولى للباحثين غييم ونوفوسيلوف، الذي تم الحصول عليه من خلال الشريط اللاصق الشفاف على مساحات صغيرة جداً. حالياً أصبحت عمليات تشتت الشرائح الرفيعة جداً والجاهزة للاستخدام متاحة للبيع بشكل عام.
يجري العمل حالياً على معالجة طرق الحصول على مواد أخرى في المختبرات، ولكن بمجرد أن يعثر العلماء على الاتجاه الذي يمكنهم من استخدام هذه المواد بشكل واعد، فإن تقنية التصنيع على نطاق واسع لن تستغرق وقتاً طويلاً.
المواد ثنائية الأبعاد في روسيا
يقوم الباحثون من قسم النظم النانوية الوظيفية والمواد ذات الحرارة العالية في جامعة “ميسيس” بتصميم كالكوجين معدني انتقالي للخلايا الشمسية والمصابيح وأجهزة الاستشعار والمتحسسات. كما أنهم يجرون أبحاثاً على أوكسيد الغرافين كطلاء يزيد من مقاومة التآكل لأنواع مختلفة من الفولاذ، ويدرسون طرق الحصول على MXene، التي تعتبر على شكل طبقات من كربيد التيتانيوم والفاناديوم، حيث تم الحصول في هذا الاطار على نتائج مهمة للغاية بالفعل.
وفي هذا السياق أشار كبير الباحثين ديمتري مرادوف من قسم النظم النانوية الوظيفية والمواد ذات الحرارة العالية في جامعة “ميسيس” أثناء مقابلة مع وكالة ريا نوفستي قائلاً:
“لقد أدى التعاون النشط لفريقنا العلمي مع البروفسور ألدو دي كارلو من جامعة تور فيرغاتا الإيطالية حول موضوع المواد النانوية ثنائية الأبعاد، للحصول على منحة ضخمة وإنشاء مختبر جديد. وترمي معظم الأعمال التي تجري في المختبر إلى استخدام أنواع متعددة من المواد النانوية ثنائية الأبعاد لتصميم خلايا شمسية من البيروفسكايت”.
وبحسب رأيه فإن هذا العمل مثال للتعاون المتبادل الفعال: حيث يقوم علماء المواد بتجميع ودراسة خصائص المواد الجديدة الأكثر ملائمة للاستخدام في الخلايا الشمسية. ويقوم المتخصصون في مجال أجهزة أشباه الموصلات بإنشاء الأجهزة واستكشاف مؤشرات التشغيل الخاصة بها
وتابع الباحث دميتري موراتوف بهذا الشأن قائلاً: “بالإضافة إلى ذلك، نتعاون بشكل كبير للحصول على خصائص المواد المركبة ودراستها مع فريق الباحث أندريه ستيباشكين من مركز المواد المركبة في جامعة “ميسيس”. لقد ألقيت محاضرة حول عملنا وبحثنا فيما يتعلق بالمركبات التي تحتوي على نتريد البورون النانوي أمام زملائي الأجانب بمن فيهم من إسبانيا خلال حضور الندوة الدولية للمواد المنقولة وغير المتبلورة والمواد النانوية.
وتابع الباحث يقول إن العلماء من الجامعة الوطنية “ميسيس” قاموا بتصميم مركبات موصلة للحرارة أفضل بكثير من المنسوجات التقليدية المصنوعة من الألياف الزجاجية. وقد أصبح البولي إيثيلن عالي الكثافة أساساً لمادة البوليمير، في حين أن النتريد البورون فقد لعب دور الحشوة، والذي تم معالجته لتحقيق الخصائص المطلوبة. من وجهة نظر إعادة التدوير، فقد اتضح من أن المواد التي تم الحصول عليها مربحة أكثر من المواد المماثلة الشائعة، بالإضافة إلى أنها قادرة على حل مشكلة ارتفاع درجة الحرارة للوائح الالكترونية في الطابعات.
التعاون الدولي
تقوم جامعة “ميسيس” اليوم بتطوير وتعزيز تعاونها في مجال الحصول على مواد ثنائية الأبعاد ودراسة خصائصها جنباً إلى جنب مع جامعة نيبراسكا-لينكولن في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التعاون بدأ بعد الإعلان عن مسابقات في إطار البرنامج الفيدرالي المشروع 5-100، التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية. وتتضمن هذه المسابقات توجيه دعوة لعالم بارز من أجل إدارة وقيادة فريق علمي وإجراء البحوث حول أحد المواضيع العلمية الواعدة.
وفي هذا السياق أشار الباحث دميتري مرادوف قائلاً: “تمت دعوة البروفسور ألكسندر سيرغيفيتش سينيتسكي، الذي يعمل بشكل أساسي في جامعة نيبراسكا-لينكولن. وفي عام 2016 قدمنا طرحاً مشتركاً حول المواد النانوية ثنائية الأبعاد خلال المشاركة في إحدى المسابقات وحققنا الفوز في هذه المسابقة. بعد ذلك بدأنا التعاون المكثف، حيث ذهبت لإجراء دورة تدريبية في إطار هذا التعاون إلى الولايات المتحدة وبالتحديد إلى مختبر ألكسندر من أجل تطبيق الخبرة المتراكمة لإنشاء قاعدة تجريبية في قسمنا هنا بالجامعة”.
وبحسب قوله فإن هذا أدى إلى تبادل الخبرات دولياً من قبل طلاب الماجستير والدكتوراه والتعاون بين الباحثين في الأقسام ذات الصلة. ونتيجة هذا التعاون تم نشر عدد من الأعمال المشتركة حول المواد النانوية ثنائية الأبعاد في المجلات العالمية الرائدة، وتم وضع آلية للحصول على هذه المواد عن طريق الترسيب الكيميائي للبخار.
فعلى سبيل المثال نشر الباحثون في المجلة العلمية “تقنيات النانو” نتائج أبحاثهم حول أكسيد الموليبدينوم (MoO2). لقد حصلوا على مادة ثنائية الأبعاد عن طريق الترسيب الكيميائي للبخار، التي تم دراستها وفحصها بشكل شامل من خلال استخدام الطرق التحليلية. فمثلاً في المجلة العلمية ACS Nano تم نشر مقال عن كبريبتيد التيتانيوم مؤخراً
ونوه الباحث ديمتري مرادوف حول هذا الموضوع قائلاً: “لقد تم بالفعل الحصول على نتائج جيدة حول موصلية المادة التي تم الحصول عليها وإمكانية الحصول على طبقات موصلة MoO2 رقيقة جداً (في حالتنا هذه-البلورات)، وهي تكون في حالة الاستقرار في الهواء ونحن سوف نستخدم النتائج التي تم الحصول عليها في أبحاثنا ودراساتنا اللاحقة”.
وبحسب قوله فإن المادة الجديدة يمكن استخدامها لتصميم بنى متباينة وأجهزة النانو-الترانزستورات وأجهزة الاستشعار وأجهزة الكشف الضوئيةوالمتحسسات إلخ. حالياً فإن المواد التي تم تصميمها من قبل جامعة “ميسيس” جنباً إلى جنب مع جامعة نيبراسكا-لينكولن يتم استخدامها كطبقات نقل للخلايا الشمسية ذات الأغشية الرقيقة والمصابيح وأجهزة الاستشعار. كما يتم تطوير اتجاه تصميم مركبات البوليمير المليئة بالمواد النانوية ثنائية الأبعاد.